فهم مقلوب
إذا ذهبت إلى المجلد الثاني مـن الموسـوعة الفلسـطينية، فسـتجدها تخبـرك فـي دراسـتها عـن: الحكم المصري في الشام، أنه: "في هذه السنوات من حكم محمد علي في فلسطين والشام بدأت بريطانيا تربط مصالحها مـع اليهـود وتسـتخدمهم للاسـتيطان فـي فلسـطين، وذلـك ضـمن الخطـط التـي بـدأت وضـعها وتطبيقهـا لتمزيــق المنطقـة الشــامية ٕوايجــاد الركـائز الغربيــة فيهــا، وقـد اســتغلت قنصــليتها وممثليهـا القنصـليين لبـث الدسـائس علـى محمـد علـي، وافتتحـت فـي القـدس سـنة ١٨٣٨ ميلادية قنصلية، كانت أول قنصلية أجنبية فيها، للغرض نفسه" .
وما قرأته في الموسوعة الفلسطينية نموذج على الفهـم الأمـي المقلـوب، وعـدم إدراك الأميـين فـي بلالـيص سـتان مـن خليجهـا السـائم إلـى محيطهـا الهـائم لموقـع اليهـود مـن بريطانيـا والغـرب عموماً، وحقيقة العلاقة بينهم، ولا لحقيقة ما شهدته بلاليص ستان وما زالت تشهده من أحـداث منـذ حملـة الماسـوني نـابليون علـى مصـر، ولا لهويـة مـن تصـدروا هـذه الأحـداث مـن الشـرقيين والغــربيين وغايــاتهم، ولا لأن مشــروع اليهــود الســاري عبــر التــاريخ هــو محــور هــذه الأحــداث ُ ومحركها وبوصلتها، و دار من أجله، وتوهمهم أن المشروع اليهودي ظهـر فجـأة أن الشرق كله ي في القرن التاسع عشر، وعدم إدراكهـم أن مـا حـدث فـي القـرن التاسـع عشـر والقـرن العشـرين لـم يكـن سـوى نجـاح هـذا المشـروع وخروجـه إلـى العلـن وسـطح الأرض، بعـد أن ظـل قرونـاً مموهـاً فـي سياسـات إمبراطوريـات الغــرب وحملاتهـا علـى الشـرق، ومختبئــاً فـي أدمغـة ساسـتها وقــادة وضـعت أسسـه فيـه وأُقيمـت أبنيتـه واكتمـل نمـوه، ُ جيوشـها، وأنـه بعـد أن تـم تهيئـة الشـرق لـه و سلمته إمبراطوريات الغرب لأهله وأصحابه الحقيقيين، ليستكملوه ويتموه هم بأنفسهم.
وهـذا الفهـم المقلـوب هـو مـا أراد الغـرب ومـا يريـد اليهـود أنفسـهم لبلالـيص سـتان وساسـتها ونخبهــا الأميــة أن يفهمــوه، لأن إحــدى أكبــر دعــائم المشــروع اليهــودي عبــر التــاريخ، خفــاؤه وتمويهه في مشاريع إمبراطوريـات الغـرب وحملاتهـا علـى الشـرق، لكـي لا يـراه عمـوم البشـر ولا يدركون حقيقة علاقته بما يحدث إلا بعد أن يكتمل فعلاً ويصل إلى غايته.
فالموسوعة الفلسطينية، مثل غيرها من نخب بلاليص ستان الأمية مـن الساسـة والمـؤرخين، تخبـرك أن بريطانيـا بـدأت تـربط مصـالحها بـاليهود، وهـي التـي وظفـتهم ووطنـتهم فـي فلسـطين، وأقامــت قنصــليتها فــي القــدس، مــن أجــل زرع ركائزهــا وركــائز الغــرب فــي بــلاد العــرب، لأن الأميين الذين كتبوها لا يعرفـون أن بريطانيـا مملكـة اليهـود والماسـون، واليهـود يسـتوطنون عبـر تاريخهـا كلـه رؤوس ساسـتها، ويمسـكون بمقاليـدها الاقتصـادية والماليـة والإعلاميـة، وهـم الـذين حركوهــا نحــو الشــرق، كمــا كــانوا يحركــون إمبراطوريــات الغــرب كلهــا عبــر التــاريخ، مــن أجــل مشروعهم المموه في مشاريعها، والموسوعة الأمية تخبرك أن بريطانيا وظفـت يهـود الشـرق مـن أجل إمبراطوريتها ومصالحها فيه، لأنها لا تـدرك أن الإمبراطوريـة البريطانيـة كلهـا موظفـة عنـد يهود الغرب.
والأميـون الـذين كتبـوا الموسـوعة الفلسـطينية، يحـدثونك عـن أول الآتـين مـن الخلـف وكأنـه عــدو لبريطانيــا ومن أبطــال مقاومــة اليهــود وابطــال مشــروعهم ، لأنهــم مثــل كــل الأميــين فــي بلالـيص سـتان كالأنعـام، لا يـدركون ممـا يحـدث إلا مـا ترصـده عيـونهم علـى مسـارحها ويقـع تحــت طائلــة حواســهم مــن أغلفتهــا ، وأول الآتــين مــن الخلــف الــذي يتــوهم الأميــون أنــه عــدو بريطانيا، ربيب اليهـود، وخـريج حـارة اليهـود فـي اليونـان العثمانيـة، ومـا كـان يريـده ويسـعى إليـه َ وتسعى إليه هو نفسه ما كانت تريده بريطانيا من قبل، وقد عرض عليها صراحة، كما علمت، أن يكون عميلها في الشرق، والفِراق بينهما كان فقط لأن الدور الذي رسمه لنفسه في المشروع اليهـودي يختلـف عـن الـدور الـذي رسـمته لـه بريطانيـا ويهودهـا ومـن يسـتوطنون رؤوسـهم مـن ساستها. ٕ نشاء القنصلية البريطانيـة فـي القـدس لـم يكـن سـوى نتـاج لعقيـدة إعـادة اليهـود إلـى الأرض وإقامـة دولـتهم فيهـا، ليكـون ذلـك تمهيـداً لعـودة المسـيح ومجيئـه المقدسـة واسـتعادتهم لأورشـليم ..